تحت اشعة شمس الكويت في صباح باكر، طابور طويل من الناس ممن زحف الشيب الى رؤوسهم يقفون امام مكتب الطباعة في مبنى حكومي، يقولون نأمل الخلاص والانصاف وان تحمل الحكومة الجديدة لنا اخبارا طيبة بعدولها عن قرار الـ60 الذي سيحرمنا من الكويت التي افنينا فيها فترة شبابنا، الامل كبير بعد الله في وزير العدل وزير الدولة لشؤون النزاهة ورئيس مجلس ادارة الهيئة العامة للقوى العاملة المستشار جمال الجلاوي، في انصافنا والعدول عن هذا القرار.

الكويت بلد الإنسانية

رجل مسن يجلس عند مدخل الطباع يبتسم: «الكويت بلد الانسانية، تعايشنا فيها مع ابناء الشعب الكويتي لعقود من الزمن واشتركنا معهم بذات المصير، واسهمنا معا بمختلف القطاعات، تربينا فيها ولا نعرف بلدا غيرها.. قضينا عمرنا هنا في هذه الارض الطيبة.. فهل سنذهب بعد هذا العمر الذي قضيناه هنا الى بلدنا لنتعرف عليه؟».

يسير الطابور ببطء، ويزداد الواقفون عددا، ويأمل جميع الواقفين بالانصاف والجميع يحمل في يمينه اوراقه بانتظار وصول دورهم لطباع الجوازات ليبادروه بالسؤال: اخي.. هل تمديد اقامة «الستين» الآن شهر واحد، ام 3 اشهر ؟..وبصوت مبحوح وبألم وحسرة يرد ابو مؤيد الواقف بالطابور منذ الصباح الباكر.. للاسف المرة الماضية منحوني تمديد لـ3 اشهر، والآن سمعت ان المدة شهر واحد فقط.

الآه والحسرة..

يرد ابو علي قائلا: «آه»، وهي تعني في لكنته امرين، الاولى «نعم»، والثانية تعبيرا طبيعيا عن الآه والحسرة.. دون ان يكون هناك سؤال من الشخص الذي يتبادل معه الحديث.. استطرد ابوعلي تقديمه لنفسه بـِ ابو مؤيد قائلا: انا من مواليد سوريا، قدمت الى الكويت مع عائلتي عام 1969 وعمري في التاسعة، اعرف هذه البلد اكثر من بلادي، كل ما تراه حولك لم يكن بدأ بناؤه، عملت صبي بنّاء، ثم سائق، وتدرجت الى ان اصبحت مقاولا معروفا، ولدى شركة مقاولات، مثالا لجودة العمل والمصداقية.

ويستمر ابوعلي في تعريفه عن نفسه، دون سؤال، تزوجت في الكويت، وانجبت ابنائي الاربعة في الكويت، الذين درسوا في مدارسها المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وابتعثتهم من «خير الكويت» للدراسة في الخارج وفي افضل الجامعات. ويستمر بسرد سيرته، اولادي الاربعة الاول انهى دراسة الصيدلة، والآخر لديه بكالوريوس في الاقتصاد والتمويل، ولديه ابنة تعمل طبيبة في مستشفى خاص، وابنة اخرى مازالت تدرس في المرحلة النهائية في الثانوية العامة.

لو الآلات تتحدث لقامت بمنحي شهادة «الهندسة»!

يلتقط ابو مؤيد الحوار من ابوعلي المسترسل مقاطعا اياه، ويقول: انا منذ عام 1980 في الكويت حيث كنت أبلغ 21 عاماً، واعمل فني اصلاح وصيانة آلات ومعدات في مصنع بتروكيماويات معروف، احفظ كل قطعة في الآلات التي اعمل عليها، وفي بعض الاحيان يتم انتدابي لمصانع اخرى لصيانة بعض الآلات لديهم، تشربت صيانة الآلات القديمة والحديثة، وتدرب على يدي عشرات المهندسين الشباب والفنيين الشباب والجدد على سوق العمل في الكويت، ولو كانت الآلات تتحدث لقامت بمنحي شهادة «الهندسة»!

بحسرة يستكمل حديثه (ابو مؤيد): ان الشهادة الدراسية بالنسبة للعمالة الماهرة ليست ضرورية، والخبرة تتراكم مع السنوات.

حتى بالنسبة للرسوم المقرر فرضها كبيرة، 500 دينار وتأمين صحي بقيمة لا تقل عن 500 يعني 1000 دينار سنويا، بلا شك انه مبلغ ضخم جدا.

الحكومة غير مقتنعة بقرار الـ60!

يسحب الحديث ابو علي معلقاً، قرأت في القبس قبل فترة ان تقرير حكومي يثبت بالارقام ان جميع الوظائف التي تشغلها هذه الشريحة هي مهن حرفية غير جاذبة للمواطنين الكويتيين، وأن 57 ‎في المئة من هذه العمالة المستهدفة يقل متوسط أجرها عن 300 دينار، كما أن هناك 73 ‎في المئة من النسبة المتبقية من تلك العمالة متوسط أجورهم يقل عن 400 دينار.

كما أن الفئة العمرية المستهدفة في قانون الستين هي أقل ارتكاباً للجرائم في البلاد، حيث إن الفئة العمرية «المتوسطة» من العمالة الوافدة هي من لديها سجل أمني في ارتكاب جرائم السرقة والنصب والقتل.

وهذا التقرير يؤكد ان الحكومة بذاتها ليست مقتنعة في «قرار الستين»، خصوصا انه يمس 53 الف نفس بشرية مرتبطة معها عوائلهم التي تقدر في 250 الف شخص بإلاضافة لهم، يرزحون تحت هم التوتر منذ عام ونصف العام تقريبا.

الطباع ينادي: «اللي بعده».. ويختم ابوعلي حواره سريعاً.. أملنا كبير بعد الله في الحكومة الجديدة.