هذا بيت حكمة فلا تعجل بمدح رجل حتى تجربه فربما كان يظهر ما لا يبطن والتجربة خير برهان لمعرفة ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعجلوا بمدح الناس ولا بذمهم فلعل ما يسركم اليوم يسوؤكم غدا، وقيل في الأمثال: لا تهرف قبل أن تعرف بمعنى لا تتجاوز القدر في الثناء قبل أن تعرفه معرفة كافية، اما بيت الشعر فيقوله قيس بن عمرو بن مالك الحارثي، يكنى أبا الحارث وأبا محاسن ولقب بالنجاشي لأن أمه كانت حبشية فورث منها السواد، وهو مخضرم عاصر الجاهلية والإسلام وقد وفد على عمر بن الخطاب ثم لازم علي بن أبي طالب، وقد عمر النجاشي فعاصر خلافة معاوية بن أبي سفيان، وكان قد هرب من علي بعد أن جلده الحد في الخمر وكان قد شربها في رمضان فضاعف له العقاب، وقد رثى الحسن بن علي بعد وفاته، وتوفي بعده بقليل في لحج باليمن، وقوم النجاشي بنو الحارث بن كعب كان يقال لهم جمرة العرب لشدة بأسهم، وعلى الرغم من أن النجاشي يعد من فحول الشعراء إلا أنه كان قليل البضاعة وقد هجا أهل الكوفة فقال فيهم:

إذا سقى الله قوما صوب غادية

فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا

أما بيته الذي أشرت إليه في البداية فهو ضمن أبيات ارسلها الى معاوية بن أبي سفيان قبل أن يهرب الى الشام يقول فيها:

لا تمدحن امرءا حتی تجربه

ولا تذمن من لم يبله الخبر

إني امرؤ قل ما أثني على أحد

حتى أرى بعض ما يأتي وما بذر

إني إذا معشر كانت عداوتهم

في الصدر أو كان في أبصارهم خزر

جمعت صبرا جراميزي بقافية

لا يبرح الدهر منها فيهم أثر

وهو صاحب البيت المشهور الذي يقول:

ونجى ابن حرب سابح ذو غلالة

أجش هزيم والرماح دواني

وذكر أنه لما جلد حد الخمر قال له وجوه أهل الكوفة قدر الله الذي لا مفر منه فقال:

لعن الله ولا يغفر لهم

ساكني الكوفة من حي مضر

واليمانيين لا يحفل بهم

فهم من شر من فوق الغبر

جلدوني ثم قالوا قدر

قدر الله لهم سوء القدر

وأكتفي بهذا القدر.