
بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، اعتقد الشعبان السوري واللبناني أن عهد القتل والإجرام الذي ميّز حكمه قد يتغيّر مع ابنه الشاب بشار الأسد، الذي درس في بريطانيا، وتزوج من سيدة درست وعاشت وعملت هناك في مؤسسة مالية كبرى. لكن تبيّن لاحقًا أن نظام الابن كان أسوأ من نظام الأب في ممارساته، رغم تماثلهما في النهج الوحشي. فقد كان الأسد الأب أكثر حنكة ودهاء، بينما الابن افتقر إلى ذلك، فمارس السياسات ذاتها دون الحكمة السياسية التي كان يمتلكها والده. ومع الأسرة الحاكمة والمقربين، تم تدمير سوريا ولبنان على حد سواء.
شهد عهد الأب أحداثًا مأساوية في سوريا، كما بقيت البلاد معزولة ومتأخرة اقتصاديًا. وفي لبنان، نفّذ النظام سلسلة من الاغتيالات التي طالت زعماء سياسيين ومفكرين، وأُشير إليه في محاولات وتدخلات أضرّت باستقرار البلد. كما شهد لبنان احتلالًا سوريًا لسنوات طويلة، إلى أن خرج الجيش السوري بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي وُجهت أصابع الاتهام فيه إلى بشار الأسد.
جاء بشار إلى الحكم واعدًا بالإصلاح والتغيير، لكنه سرعان ما اتّبع أسلوب القمع والعنف، وشن في عام 2011 حربًا على شعبه خلّفت مآسي كبرى، وتسببت بتهجير الملايين وتدمير المدن. كما نُسب إلى النظام، عبر تحالفه مع "حزب الله”، تنفيذ سلسلة من الاغتيالات السياسية في لبنان، طالت شخصيات قيادية وصحفية بارزة.
ومن حق الشعب السوري أن يحتفل بزوال النظام الذي أفسد الدولة ودمّر اقتصادها، وأفقر شعبها بالفساد، وزج بالوطنيين الأحرار في السجون، ومارس الانتهاكات بحق السوريين واللبنانيين المغيبين الذين لا يزال مصير كثير منهم مجهولًا حتى اليوم. لقد كانت عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية لفترة وجيزة نقطة سوداء، خصوصًا مع موقف قطر والكويت الرافض للتطبيع مع هذا النظام.
أما اليوم، وبعد تولّي الرئيس الشرعي مقاليد الحكم، تعمل الدول العربية الصديقة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وبدعم خاص من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على مساعدته لإنجاح مهمته وإعادة إعمار بلده. وهذا الأمل لا يشمل سوريا فقط، بل ينسحب أيضًا على لبنان الذي عانى طويلًا من التدخلات الخارجية.
لا شك أن خروج إيران من سوريا يمثل أهمية بالغة، خاصة بعد تراجع نفوذ الحرس الثوري الإيراني وحلفائه، الذين ارتبط اسمهم بتهريب المواد غير القانونية وزعزعة الاستقرار. كما أن دول الخليج وتركيا اليوم تدعم سوريا نحو التعافي بدل الهدم والخراب الذي تسببت به إيران طوال السنوات الماضية.
من حق السوريين واللبنانيين أن يحتفلوا بمرور عام على سقوط بشار الأسد. فالمثل الشعبي يقول: "ينذكر ولا يُنعاد” عن الأنظمة التي أضرت بشعوبها. وكم أطاح هذا النظام من شخصيات وطنية في لبنان وسوريا، ومنهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس رينيه معوض ومحمد شطح وبيار أمين الجميل، وغيرهم كثير.
وفي 12 ديسمبر، يحيي لبنان ذكرى مؤلمة لاغتيال الصحافي جبران غسان تويني، رئيس تحرير جريدة النهار، الذي استُهدف لأنه أراد تحرير بلده بقلمه وكلماته.
سقط بشار الأسد وفرّ خارج بلده، حيث يعيش اليوم في حماية خارجية لا يستحقها بعد كل ما تكشفه السلطات السورية الحالية من جرائم وانتهاكات ارتكبها نظامه. ورغم كل التحفظات التي تُثار حول الرئيس الشرعي الجديد في بعض الأوساط الغربية، يبقى الأمل كبيرًا بأن ينجح في فرض سلطة القانون، وتوحيد الشعب، وحماية جميع مكوّناته، ومكافحة الفساد لإعادة بناء سوريا على أسس سليمة وعدالة حقيقية.
اقرأ أيضا بنفس القسم
ملمحاً إلى احتمال تدخل واشنطن عسكريا لإزاحته من منصبه
تلك التصريحات تضمنت مغالطات وادعاءات باطلة ومزاعم مرفوضة
ساركوزي البالغ 70 عاماً أول رئيس في تاريخ فرنسا الحديثة يدخل السجن
خلال زيارته الأولى إلى الأراضي المحتلة منذ توليه منصبه
تسمية السلطات اللبنانية مدنيّاً في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار مع العدو بمثابة «سقطة»
البحث
الأكثر قراءة







