قبل 9 أشهر تقريباً، وتحديداً قبل تشكيل مجلس إدارة بنك الكويت المركزي، كان هناك اعتقاد سائد لدى الناظم الرقابي أن أمر إلغاء ضمان الودائع بات أولوية، ولن يؤدي إلى نتائج سلبية، بل سيزيد التنافسية بين البنوك التجارية، ويحسّن خدماتها لتتحوّل إلى بنوك تنافسية، لكن يبدو أن شيئاً ما تغيّر في القناعة الرقابية أخيراً.
فمع بروز أزمة بنك سيليكون فالي وانهياره الشهر الماضي، بدأ وهج النقاش الرقابي حول خطط إحياء مشروع إلغاء «ضمان الودائع» يخفت داخل «المركزي»، ويأخذ مساراً معاكساً يدفع بتأجيل هذه الخطوة بسبب المخاطر النفسية التي قد تترتب على ذلك، إلى جانب تنامي الحاجة الرقابية للحفاظ على الاستقرار المالي، الذي يحتّم الإبقاء على هذا القانون، أقله في الوقت الحالي.
حركة السيولة
كما أنه بالنظر إلى التعقيدات الإجرائية، وتفاصيل السيولة المصرفية، ومتابعة حركتها بشكل جزئي وكلي، هناك عقبات قانونية وتنظيمية تزيد المصدات أمام إقناع المجتمع ومن خلفه النوّاب بهضم فكرة إلغاء «ضمان الودائع»، لاسيما وسط حالة عدم اليقين التي تضرب أسواق العالم والنظام المصرفي العالمي، فضلاً عن معضلة البنوك الإسلامية التي يختلف فيها نظام الودائع عن التقليدية، باعتبارها حديثة، لاسيما أن نظام عملها يعتمد على المشاركة.
فحتى وقت قريب، كان «المركزي» يبحث وضع قانون متكامل لتأمين الودائع، يرفع بمقتضاه الضمان الحكومي عن الودائع، الذي أقره مجلس الأمة عام 2008 بعد الأزمة المالية العالمية، بغرض حماية ودائع صغار المودعين بعد تعرض بعضها لضربة قوية نتيجة الأزمة، وسُمّي قانون الاستقرار المالي.
وفي هذا الخصوص، كشفت مصادر مسؤولة لـ«الراي» أن التوجه الرقابي حالياً يميل أكثر نحو تأجيل خطوة إلغاء «ضمان الودائع»، حيث لم تكن هذه الأولوية قبل ذلك مقرونة بالمخاطر العالية التي فجّرتها أزمة «سيليكون فالي» على حقوق المودعين، وعلى الاستقرار المالي.
نظام مصرفي
ومنذ عام 2012 تخطط الحكومة لرفع الضمان عن الودائع في البنوك المحلية، ضمن حزمة قوانين للإصلاح المالي تستهدف تكوين نظام مصرفي تنافسي، من خلال وضع نظام ضمان كبديل فعّال عن ضمانة الدولة، لكن الظروف السياسية التي عاشتها البلاد طوال السنوات الماضية أدت إلى تأجيل القرار أكثر من مرة.
وفي موازاة ذلك كان هناك أكثر من تصور، بينها إنشاء هيئة أو صندوق يضمن بالتعاون مع البنوك جزءاً من ودائع العملاء، وأن تظل الدولة ضامنة لحد أدنى معين من الأموال بغض النظر عن قيمة الوديعة كما هو معمول به في كثير من الاقتصاديات المتقدمة، على أن يكون التطبيق تدريجياً.
وربما لا يعد سراً أن الكويت الدولة الوحيدة عالمياً التي تضمن فيها الحكومة أموال المودعين 100 في المئة، حيث يسود النظام العالمي ضمان جزء من رأسمال الودائع، فعادةً ما تؤمّن المؤسسة الفيديرالية في أميركا الودائع حتى 250 ألف دولار لكل حساب في وقت تقوم شركات تأمين بضمان النسبة المتبقية.
خطوة متقدمة
وإلى ذلك، قالت المصادر إنه بعد أزمة «سيليكون فالي» لم يعد صائباً اتخاذ خطوة متقدمة نحو إلغاء «ضمان الودائع» ليس لعدم أهميتها للنظام المصرفي بل لتراجع وهجها واستحقاقها مقابل تزايد مخاطرها النفسية على الاستقرار المالي، والذي بات الحفاظ عليه أولوية تتقدم على أي أولوية أخرى حالياً.
وأضافت أنه بعد أزمة «سيليكون فالي» أصبح «ضمان الودائع» يشكل صمام أمان للحفاظ على تدفق الودائع محلياً ونموها، خصوصاً بعد أن أصبحت المصدر الرئيس لتمويل قروض غالبية البنوك المحلية.
فضلاً على ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن «ضمان الودائع» يضمن الحفاظ على تماسك البنوك، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة التي لن تقوى في الغالب على منافسة نظيرتها الكبرى في استقطاب الودائع بالتسعير الذي سيكون مدفوعاً بمزيج بين العائد المنخفض والمخاطر المتدنية للمودعين.
ونتيجة لهذا الواقع المتباين مصرفياً لجهة القوة، سيكون على البنوك الصغرى والمتوسطة العمل على جذب المودعين من خلال رفع معدل فائدتها بشكل أكبر، وربما الاضطرار لمضاعفتها لا سيما لعملاء النخبة، والأموال الحكومية، تفادياً لهجرة عملائها.
ومع تحرك هذه البنوك لإثبات قدرتها الائتمانية ومرونتها في تقديم عوائد تنافسية ستواجه تحديات كبرى تتعلق بارتفاع تكلفة الأموال، وإلى حدود قد تؤثر على مؤشراتها المالية.
إذاً، وحسب المصادر وبعد المستجدات التي طرأت أخيراً على النظام المصرفي، ستكون المخاطرة التي يمكن أن تحدث بسبب رفع الضمان أكبر من الفوائد المجنية، ومن ثم يكون مرجحاً تخلي «المركزي» ولو موقتاً عن مشروعه لإلغاء ضمان الودائع حتى إشعار آخر.
مسيرة الكويت في ضمان الودائع
بدأت الكويت مسيرة الضمان المالي للودائع بعد أزمة المناخ عام 1982، حينما انهار سوق الكويت للأوراق المالية وأدى لأزمة اقتصادية كبيرة انتهت بقرار الحكومة ضمان الودائع في البنوك المحلية عام 1986 قبل أن تقوم بإلغاء هذا الضمان عام 2004 بعد تحسن الاقتصاد الكويتي وانطلاقه و«لرفع المنافسة بين البنوك المحلية»، إضافة إلى «عدم تحمل الدولة أعباء مالية إضافية دون سبب»، لكن الحكومة اضطرت لإعادة الضمان الائتماني على الودائع بعد الأزمة المالية عام 2008.
47.3 مليار دينار ودائع
بيّنت إحصائية «المركزي» أن إجمالي الودائع ارتفع 118 مليون دينار (0.25+ في المئة) بفبراير الماضي مقارنة بيناير، لتصل 47.324 مليار، فيما سجلت ارتفاعاً بنحو 414 مليوناً
(0.88+ في المئة) في أول شهرين من العام الجاري، وبلغ ارتفاعها 1.86 مليار (+4.09 في المئة) مقارنة بفبراير من العام الماضي.
bonus veren siteler
bonus veren siteler
bonus veren siteler