بعد رحلة معاناة استمرت أكثر من 13 عاماً غادر الطفل الكويتي أحمد حسين ذو 15 ربيعاً عالم الألم الذي عاشه وتعايش معه منذ نعومة أظفاره؛ لإصابته بمرض أنيميا الخلايا المنجلية وعمره لم يتعدّ السنة و10 أشهر، متماثلاً للشفاء التام رغم صعوبة حالته، بعد عملية ناجحة بنسبة 100% لزراعة النخاع وبسواعد كويتية، في إنجاز آخر يضاف إلى إنجازات وزارة الصحة وكوادرها الطبية.
وقال أحمد لـ"الجريدة"، إنه قضى كل تلك السنوات بين جدران المستشفيات وأسرّتها... "مررت برحلة معاناة مريرة، كل ما أتذكره من طفولتي حتى قبل العملية أنني كنت أقضي معظم أيامي في المستشفيات بعيداً عن المنزل، في وقت كان أصدقائي يلعبون في ساحة المدرسة أو ملاعب كرة القدم".
وأضاف: "كنت أتساءل دوماً، لماذا عليّ أن أتحمل كل هذا الألم جراء المرض... ليأتي الجواب، إن كريات دمك منجليّة، وبالطبع كان هذا الجواب كبيراً جداً على استيعاب طفل بعمري، وكانت نوبات الألم شيئاً، لا يوصف... عوار حاد بالمفاصل يمنعني من التحرك والركض أو المشي بالشكل الصحيح".
ومضى أحمد في سرد معاناته: "في السنوات الأخيرة بدأت حالتي الصحية تنتكس إثر مضاعفات المرض، وكانت نوبات الألم وكأنها طعنات في ظهري وصدري وقدمي... كنت أشعر كأن عظامي تتحطم دون توقف... آلام مبرحة تفوق طاقتي... لا أستطيع تحملها ولا تجاهلها".
وأوضح أنه في يوم من الأيام "ساءت حالتي حتى أصبت بعمى مؤقت وشعرت باختناق شديد، معتقداً أنه آخر نفس لي... كنت أتخيل المرض وكأنه لص متخفّ خلف قناع أسود يقتحم المستشفى ليخطفني من حضن أمي وأبي".
وتابع أحمد بتأثر شديد: "لم أجرب شعور الصحة ولم أعرف معنى أن يكون الإنسان لايعاني المرض... كنت أعتقد أنني مولود لأكون مريضاً وسأبقى كذلك، لكنني الآن وبحمدالله معافى تماماً... ومستانس وايد وحاسس براحة".
وعن رحلة العلاج حتى إجراء عملية زراعة النخاع في مستشفى بنك الكويت الوطني للأطفال التابع لوزارة الصحة أفاد أحمد: "علمت بأن ملامحي ستتغير بعض الوقت، وأن شعري سيتساقط نتيجة جرعات الكيماوي، لكنني أيضاً أدركت أنها حالة مؤقتة وسيعود كل شيء أفضل من السابق، وبالفعل كنت أتعب من جلسات الكيماوي المقررة لي، لكنني بعد الانتهاء من كل جلسة أنسى كل الألم وأقول لنفسي هذا أنا وقد حققت نصراً جديداً".
ودعا أحمد كل من يعيش معاناته ذاتها، التي مرت عليه، ومصاب بهذا المرض بألا يتردد في إجراء عملية زراعة النخاع قائلاً: "راح تتعب شهر أو شهرين... بس مو العمر كله و راح توفر سنوات من المعاناة عليك وعلى أسرتك".
ولم ينس أحمد الإشادة بجميع الخدمات المقدمة له من مستشفى بنك الكويت الوطني والقائمين عليه، الذين وفروا له كل ما يحتاجه، ووجه أيضاً رسالة شكر للفريق الطبي الذي أجرى له العملية، كما وجه شكر خاص للدكتورة سندس الشريدة رئيسة الفريق بقوله "مشكورة وايد لانج اقنعتيني بالعملية..مديون لج طول عمري".
رحلة الصبر
من جانبها، قالت ليلى القلاف والدة أحمد لـ"الجريدة"، وقد عنونت رحلة معاناتها بـ"الصبر"، إن "حياتنا طوال 13 عاماً كانت متوقفة تماماً، حتى اضطررت أنا ووالده للجوء إلى التقاعد المبكر كي نولي أحمد كل رعاية واهتمام، لأننا كنا نقضي معظم وقتنا في المستشفيات والمبيت فيها، لأنه بمجرد التأكد من الإصابة بهذا المرض تتغير الكثير من طبيعة الأشياء، علاوة على المشاعر المختلطة التي أصابتنا... فأكثر من يعرف الأطفال هم آباؤهم".
وأضافت القلاف: أنه "على الرغم من أن حياتنا انقلبت رأساً على عقب بعد إبلاغنا حينها بأن حالة أحمد ليس لها علاج إلا تناول المسكنات بنسب متفاوتة طوال عمره، فإنني كنت مؤمنة بأن الله تعالى سينهي معاناته ومعاناة العائلة بأكملها والحمدلله تحقق ذلك".
وعن مشاعرها ليلة إجراء العملية أفادت بأن مشاعرها "كانت متداخلة ومتناقضة، إذ كان لديّ تردد مخيف، وكنت لآخر لحظة أتراجع خوفاً على حياة ابني، لكن صدى صوته ظل يرافقني عندما يتألم ويقول (أريد أن أرتاح)، ولم يكن بمقدوري حتى أن أضمه إليّ لئلا يتسبب له ذلك بالألم" لكن الحمدلله تبددت واختفت كل معاناتي بعدما تأكدنا من شفاء أحمد تماماً وخلو دمه من الخلايا المنجلية".
نجاح العملية
من ناحيتها، قالت رئيس فريق الخلايا الجذعية للأطفال ورئيسة وحدة زراعة الخلايا الجذعية في مستشفى بنك الكويت الوطني واستشارية زراعة الخلايا الجذعية للأطفال والمشرفة على حالة أحمد د. سندس الشريدة لـ"الجريدة" إن أحمد عانى كثيراً منذ صغره، وكانت حالته معقدة لأنه كان يعاني من الهيموغلوبين المنجلي بنسبة ٩٢ في المئة، ولدى إجراء العملية كانت نسبة تطابق الخلايا الجذعية مع خلايا شقيقه المتبرع ٥٠ في المئة فقط أي إن التطابق نصفيّ وليس كاملاً، لذلك اضطررنا أن نمده بخلايا جذعية إضافية لتساهم في نجاح العملية، ولله الحمد شفي أحمد تماماً من المرض بعد نجاح العملية بنسبة 100% ويعتبر هو أول طفل كويتي (ذكر) أجرى عملية زراعة خلايا جذعية بسبب الأنيميا المنجلية وهناك طفلة كويتية أخرى أجرتها أيضاً.
وأضافت د. الشريدة، وهي أول طبيبة كويتية حاصلة على تخصص زراعة الخلايا الجذعية للأطفال: "قمنا بتأهيل أحمد لدخوله في البرنامج الزراعي علاوة على تأهيل أبويه عن طريق المناقشات المتعددة مع الفريق بغية التعامل مع مخاوفهم ودعمهم نفسياً".
وأوضحت أن عدد عمليات الزراعة التي قام بها فريق الخلايا الجذعية للأطفال حتى الآن 21 حالة من أمراض سرطانية وغير سرطانية بمختلف أنواع الزراعات منها الزراعة الذاتية (لمرضى السرطان والأورام)، ومنها الزراعة من متبرع لأمراض الدم مثل الأنيميا اللاتنسجية وفشل النخاع البيتا والثلاسيميا الكبرى والأنيميا المنجلية و غيرها.
العلاج الخلوي
وأشارت إلى أن وحدة زراعة الخلايا الجذعية افتتحت في سبتمبر 2020 وكانت أول حالة لزراعة الخلايا الجذعية للأطفال في مستشفى البنك الوطني في أكتوبر 2020 مبينة أنه مع توفير عمليات زراعة الخلايا الجذعية للأطفال في الكويت تم تقليل إرسال حالات زراعة الخلايا الجذعية للخارج.
وأضافت د.الشريدة: بدأنا أخيراً بتطبيق العلاج الخلوي في الكويت، والذي يعتبر أحدث العلاجات المرتبطة بزراعة الخلايا الجذعية للتعامل مع مضاعفات الزراعة.
وأعربت عن أملها بتوفیر الحكومة مركزاً للخلایا الجذعیة بغية توفیر الخلایا
من متبرع غريب (ليس من أقارب المريض) حتى يتسنى للفريق مستقبلاً التعاون مع المراكز العالمیة لتوفیر الخلایا الجذعیة ليقوم بإدارته متخصصون في الخلایا الجذعیة محلیاً والحصول على الاعتماد العالمي.
ويعتبر "الأنيميا المنجلية" مرض تكسر دم وراثي يؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها نوبات آلام العظام وجلطات بالرئة والدماغ وعلى وظائف الكلى والكبد، ويتم تأهيل مرضى زراعة الخلايا الجذعية للدخول في البرنامج الزراعي للتأكد من لياقتهم للزراعة وتوقع نتائج أفضل بعد العملية في حين يتم تأهيل الأبوين أيضا لهذه العملية نفسياً ومعنوياً.
bonus veren siteler
bonus veren siteler
bonus veren siteler
bonus veren siteler