قضت المحكمة الدستورية، بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء رقم 16 / 1960، المعدّل بالقانون 36/ 2007، في ما تضمّنته من تجريم مَنْ «تشبّه بالجنس الآخر بأيّ صورة من الصور».
وخلصت المحكمة برئاسة المستشار محمد بن ناجي، في حكمها الصادر أمس، إلى أن نص المادة «بالصيغة التي أفرغ فيها، قاصر عن تحديد الأفعال المؤثمة من خلال معیار منضبط لها، ويفتقد التحديد الجازم لضوابط تطبيقه، فيكون بذلك قد أخلّ بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور طبقاً للمادة 30 منه، بما يتعيّن معه القضاء بعدم دستوريته».
وفي مداولاتها، اعتبرت المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدّد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المُبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تُقدّر فيها المحكمة التي أحالت الدفع جديته.
وكانت لجنة فحص الطعون قد أحالت الدفع بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء المعدلة بالقانون 36 / 2007، في ما تضمنته من تجريم التشبه بالجنس الآخر، بعد أن قدّرت أن ما أبداه الطاعن من أسباب لدفعه، تتعلّق بعدم تحديد الفعل المؤثم بصورة قاطعة بما يحول دون التباسه بغيره، من شأنه أن يحيط النص التشريعي بشبهات تلقي بظلال من الشك حول مدى دستوريته.
الأفعال المؤثمة... مُحدّدة
ولفتت المحكمة إلى أن «مبنى النعي على نص المادة 198... في ما تضمنته من تجريم التشبّه بالجنس الآخر بأيّ صورة من الصور، أن عبارات النص قد جاءت واسعة فضفاضة، غير محددة للأفعال المؤثمة بصورة قاطعة، بما يحول دون التباسها بغيرها، حتى يكون المخاطبون بها على بيّنة من حقيقة الأفعال التي يتعيّن عليهم تجنبها، ولا يترك تقديرها للقائمين على تنفيذها وتطبيقها، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصدها محل مراميها، على نحو يفضي إلى المساس بحقوق كفلها الدستور».
وأضافت «أن هذا النعي سديد، ذلك أن النص في المادة 30 من الدستور أن (الحرية الشخصية مكفولة)، وفي المادة 32 منه أن (لا جريمة ولا عقوبة إلّا بناء على قانون...)، يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخوّل المشرع بموجب سلطته التقديرية - التي يمارسها وفقاً للدستور- الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، وإن اتخذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنياناً لإقراره، وأساساً لتأكيده، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيّد محتواه ومضمونه، بحيث لا يكون إنفاذه إلّا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها، ولازم ذلك أنه يجب أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، حتى يكون المخاطبون بها على بيّنة من حقيقة تلك الأفعال التي يتعيّن عليهم اجتنابها، ذلك أن الأصل في النصوص الجزائية أن تُصاغ في حدود ضيقة تعريفاً بالأفعال التي تجرّمها، وتحديداً لماهيتها، لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئة للإخلال بحقوق كفلها الدستور».
خفاء وغموض
وأشارت المحكمة إلى أن التعديل الذي جاء به القانون رقم 36 /2007 على المادة 198 من قانون الجزاء، أضاف إلى الأفعال المعاقب عليها بموجب تلك المادة فعلاً جديداً هو «التشبّه بالجنس الآخر بأيّ صورة من الصور»، «من دون أن يتضمّن النص معیاراً موضوعياً منضبطاً يتعيّن مراعاته لتحديد ذلك الفعل المؤثم قانوناً، وما يُعدّ تشبّها بالجنس الآخر وما لا يُعد كذلك، بل جاءت عبارته بالغة العموم والاتساع، يُمكن تحميلها بأكثر من معنى، على نحو قد تتعدد معه تأويلاتها، وما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون من صور التشبه التي اعتبرت منها (تزيي جنس بملابس الجنس الآخر المقصورة عليه بحسب العرف السائد في البلاد أو تقمصه شخصية الآخر) يكشف عن مدى الاتساع الذي يُمكن أن تُحمل عليه هذه العبارة، وافتقادها إلى عناصر الضبط والإحكام الموضوعي، وانطوائها على خفاء وغموض قد يقع معه الكثير في دائرة التأثيم، إذ يصبح تقدير الأمر في النهاية متروكاً للجهات القائمة على تطبيق القانون، من دون ضابط يُقيّدها، وبما قد يؤول في التطبيق إلى إطلاق العنان لسوء التقدير».
نص المادة 198
تنص المادة 198 من قانون الجزاء رقم 11/ 1960 المعدّلة بالقانون رقم 36/ 2007 على أنه «مَنْ أتى إشارة أو فعلاً مخلاً بالحياء في مكان عام بحيث يراه أو يسمعه مَنْ كان في مكان عام، أو تشبّه بالجنس الآخر بأيّ صورة من الصور، يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».
3 عيوب في نص المادة 198
1 - قصوره عن تحديد الأفعال المؤثمة من خلال معیار منضبط لها
2 - افتقاد التحديد الجازم لضوابط تطبيقه
3 - الإخلال بالحرية الشخصية المكفولة بالدستور
4 ضرورات لتحديد الأفعال المؤثمة
1 - الحؤول دون التباسها بغيرها
2 - تبيان حقيقة الأفعال الواجب تجنبها
3 - عدم ترك التقدير للقائمين على تنفيذ القانون بإحلال فهمهم الخاص
4 - عدم المساس بحقوق كفلها الدستور
تبرير التعديل
ساقت المذكرة الإيضاحية لنص المادة، تبريراً للتعديل، أن تشبّه أيّ الجنسين الذكر أو الأنثى بالجنس الآخر أمر مستنكر ومنهي عنه شرعاً. فقد قال صلى الله وعليه وسلم (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال).
ولما كان قانون الجزاء لم ينص صراحة على تجريم هذا الفعل، فقد أتى هذا القانون لسد هذه الثغرة. ونصّ بصورة صريحة على تجريم مَنْ تشبّه بالجنس الآخر بأيّ صورة من الصور.
bonus veren siteler
bonus veren siteler
bonus veren siteler
bonus veren siteler