خفّضت وكالة فيتش تصنيف الكويت الائتماني السيادي من المرتبة «AA» إلى «-AA» مع تغيير النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة، مشيرة إلى أن التخفيض يعكس القيود السياسية المستمرة على اتخاذ القرار، والتي تعوق معالجة التحديات الهيكلية المتعلقة بالاعتماد على النفط، ودولة الرفاهية السخية وقطاعها العام الكبير.
وأفادت الوكالة بأن هناك نقصاً في التصحيح المالي الأساسي والجاد لصدمات أسعار النفط الأخيرة، فيما لا تزال آفاق الإصلاح ضعيفة، رغم بعض التطورات السياسية الإيجابية الأخيرة كالحوار الوطني، مشيرة إلى أن الانقسامات السياسية لا تزال قائمة رغم ذلك الحوار.
ورجحت أن تعوق هذه الانقسامات إجراء إصلاحات واسعة النطاق على الجمود المالي في الكويت، مؤكدة أن أي فترات أخرى من الشلل السياسي الأخرى تشكل خطراً.
وأفادت «فيتش» بأن أكثر من 70 في المئة من الإنفاق الحكومي على شكل إنفاق جارٍ ثابت، بما في ذلك الرواتب والدعوم، فيما يعمل نحو 80 في المئة من المواطنين في القطاع العام، منوهة إلى مواصلة الكويت الوفاء بالتزاماتها حتى في غياب قانون الدين العام، وأنه لغاية تأمين ترتيبات تمويلية جديدة، ستعتمد الحكومة على أصول صندوق الاحتياطي العام لتلبية احتياجاتها التمويلية الإجمالية، فيما توقعت الوكالة تمرير قانون الدين العام خلال العام الجاري 2022.
أصول غير سائلة
ولفتت «فيتش» إلى أن الحكومة سحبت الجزء الأكبر من الأصول السائلة لـ«الاحتياطي العام» خلال السنوات 2020-2021، ما دفع الحكومة إلى بيع الأصول غير السائلة في الصندوق إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، مبينة أنه لم يتم الإفصاح عن المستوى الحالي للأصول السائلة في «الاحتياطي العام»، رغم أن الحكومة أكّدت أن الصندوق لديه أصول سائلة تغطي أكثر من قيمة السندات السيادية المستحقة في مارس 2022 والبالغ قيمتها 3.5 مليار دولار، وأنه يمتلك أصولاً غير سائلة واسعة النطاق، يُمكن بيع المزيد منها بسرعة إلى «احتياطي الأجيال» إذا لزم الأمر.
وذكرت الوكالة أن الحكومة اقترحت قانونًا يسمح بالاستفادة من دخل الاستثمارات الحكومية المتحققة في «احتياطي الأجيال» وفقًا لسقف سنوي ومعايير معينة لم يتم الانتهاء منها بعد، في حين أنها لا تستطيع في الوقت الحالي الوصول مباشرةً إلى أصول الصندوق دون موافقة مجلس الأمة، مشيرة إلى أن القانون المقترح يُعتبر أداة تمويلية إضافية مهمة، ومتوقعة أن يواجه مناقشات برلمانية أكثر من قانون الدين العام.
ورجّحت «فيتش» أن تبقى الأوضاع المالية والخارجية للكويت من بين أقوى الدول التي تصنفها الوكالة، رغم التقلّبات الحادة في أسعار النفط منذ عام 2014 والجمود السياسي المتكرر، متوقعة أن يصل صافي الأصول السيادية الخارجية التي تُديرها الهيئة العامة للاستثمار إلى ما نسبته 500 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى بين جميع الدول السيادية المصنفة من قبل الوكالة و10 أضعاف متوسط أقرانها في التصنيف «AA».
وأفادت بأن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة جدًا، مرجحة أن تنخفض إلى ما نسبته 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021 /2022، وأن ترتفع إلى 50 في المئة على المدى المتوسط.
وتوقعت الوكالة أن يتقلّص عجز الموازنة العامة (بعد إضافة دخل الاستثمارات الحكومية) إلى ما نسبته 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021 /2022 مقارنةً بما نسبته 20.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020 /2021، وذلك لارتفاع أسعار النفط، كما توقعت أن تكون المصروفات الحكومية الفعلية أقل من المصروفات المعتمدة في الموازنة العامة للسنتين الماليتين 2021 /2022 و2022 /2023، نتيجة ضبط الإنفاق العام.
ورجّحت أن يتسع عجز الموازنة العامة (بعد إضافة دخل الاستثمارات الحكومية) إلى ما نسبته 2.4 و5.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنتين الماليتين 2022 /2023 و2023 /2024 على الترتيب، مدفوعاً بتراجع أسعار النفط، واستمرار ضغوط الإنفاق الحكومي، فيما لا يزال التقدم في الإصلاحات المالية محدوداً، مستبعدة تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) في السنتين الماليتين 2022 /2023 و2023 /2024.
منهجية «المالية»
وأفادت «فيتش» بأنه بموجب منهجية وزارة المالية في إعداد التقارير المالية، تتوقع الوكالة أن يصل عجز الموازنة العامة (بدون حساب دخل الاستثمارات الحكومية) إلى ما نسبته 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (4.3 مليار دينار) في السنة المالية 2021 /2022، وأن يصل متوسط العجز المتوقع في الموازنة إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنتين الماليتين 2022 /2023 و2023 /2024، مؤكدة أن هذا يتوافق مع الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن صندوق احتياطي الأجيال القادمة يحتفظ بدخل الاستثمارات الحكومية، وهذا يؤكّد الحاجة إلى الاتفاق بين الحكومة ومجلس الأمة على تمرير قانون الدين العام أو السماح بالسحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
وذكرت أن استمرار ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يحد من الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة للدولة، متوقعة أن تبلغ أسعار سلة خام برنت السنوية نحو 70 و60 دولاراً للبرميل في عامي 2022 و2023 على التوالي، وأن يرتفع متوسط إنتاج النفط الكويتي من مستواه الحالي البالغ 2.5 مليون برميل يوميًا إلى نحو 2.7 و2.8 مليون برميل في اليوم خلال السنتين الماليتين 2022 /2023 و2023 /2024، بما يتماشى مع اتفاقية «أوبك+».
كل 10 دولارات ارتفاعاً بسعر البرميل تزيد رصيد الموازنة 5.5 في المئة
نوهت «فيتش» إلى أن نتائج الموازنة العامة للكويت تُعتبر شديدة الحساسية للتغيرات في أسعار النفط وإنتاجه، حيث إن تغيّر متوسط سعر برميل النفط بنحو 10 دولارات للبرميل (صعودًا أو هبوطًا) عن مستوى الافتراضات الأساسية من شأنه أن يُغير رصيد الموازنة العامة بنحو 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (صعودًا أو هبوطًا) مع ثبات العوامل الأخرى، كما أن تغيّر إنتاج النفط بنحو 100 ألف برميل يوميًا (صعودًا أو هبوطًا) من شأنه أن يُغير رصيد الموازنة العامة بنحو 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (صعودًا أو هبوطًا).
عوامل قد تخفض التصنيف وأخرى ترفعه
عددت «فيتش» أهم العوامل التي يمكن أن تؤثّر سلبًا وبشكل فردي أو جماعي على التصنيف الائتماني السيادي للكويت، موضحة أنها تشمل التالي:
1) السمات الهيكلية: استمرار استنزاف موارد صندوق الاحتياطي العام في ظل عدم تمرير قانون جديد للدين العام، أو تشريع يسمح بالنفاذ إلى أصول صندوق احتياطي الأجيال القادمة، أو قيام الحكومة بتدابير استثنائية لضمان استمرارها في الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر خدمة الدين.
2) المالية العامة: التدهور الكبير في متانة الأوضاع المالية والخارجية نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط أو عدم القدرة على معالجة الاستنزاف الهيكلي للمالية العامة.
أما أهم العوامل التي يمكن أن تؤثّر إيجابًا بشكل فردي أو جماعي على التصنيف السيادي، فذكرت «فيتش» أنها تتمثل في وجود دلائل على أن كلًا من المؤسسات والنظام السياسي في الكويت قادران على مواجهة التحديات المالية طويلة الأجل من خلال تنفيذ خطة واضحة للحد من العجز في الموازنة العامة، بحيث تستطيع الصمود أمام انخفاض أسعار النفط.
كما أن من العوامل الأخرى التي قد ترفع من التصنيف الائتماني تبني الحكومة لإستراتيجية تمويلية واضحة ومستدامة.
السعدون: إدارة عاجزة عن القرار
قال رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، جاسم السعدون، إن خفض التصنيف السيادي للكويت من قبل «فيتش» كان متوقعاً، وقد حذر منه الجميع منذ أكثر من 6 أشهر، مبيناً أن الأمر يرجع إلى عدم وجود إدارة صحيحة للشأن الاقتصادي في البلاد، والعجز عن اتخاذ قرارات إستراتيجية تساعد على حل أزمة السيولة التي تعاني منها الدولة حالياً. وأضاف السعدون أن الكويت تتمتع بملاءة مالية عالية إلا أنها تشكو من اتخاذ القرارات الخاطئة من قبل المعنيين، مشدداً على الحاجة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية ضرورية وأساسية للخروج من المأزق الحالي، ومنوهاً بأن إقرار الدين العام يعد أحد الحلول ولكن المطلوب أن يأتي وفق خطوات مدروسة ومعلومة حول كيفية صرفه، وذلك من قبل وزير المالية والجهات المعنية في الدولة.
العصيمي: أزمات متداخلة وعلاجها مُرّ
رأى أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة الكويت الدكتور عبدالعزيز العصيمي، أن الإشكالية التي تعاني منها الكويت، تأتي من النظرة السلبية في أغلب التصنيفات الائتمانية الأخيرة وما تحمله من مخاوف مشروعة، منوهاً بأنه لفهم الإشكاليات الاقتصادية فيجب فهم هرميتها أولاً. وكشف أن النقطة المفصلية في الكويت تكمن في بنية الاقتصاد وهيمنة الحكومة على أغلب قطاعاته، ما يحمّلها عبئاً ثقيلاً بتوظيف الموارد البشرية وإدارة إنتاج هذه الموارد.
وتابع العصيمي أن هذه الأزمة في بنية الاقتصاد ولّدت أزمة ضخمة في المالية العامة للدولة، بحيث أصبحت ميزانية الحكومة متضخمة ببند الرواتب، بدل أن تُوجه للبنية التحتية والاستثمار. وذكر أن أزمة المالية العامة أوصلت الكويت إلى إشكالية السيولة في تسديد التزامات الحكومة الدورية، مبيناً أن إقرار قانون الدين العام حالياً هو الحل الأمثل لمشكلة السيولة. وأوضح العصيمي أن هذه الأزمات المتداخلة هي ما يشكل النظرة السلبية في أي تقييم ائتماني، وأن علاج هذه الأزمات يحتاج إلى ممر طويل، وهو ممر ضيق بين خيارات أحلاها مر يحتاج إلى متابعة وإدارة حصيفة.
السلمي: الرؤية المستقبلية غائبة
أوضح رئيس اتحاد شركات الاستثمار صالح السلمي أن تخفيض التصنيف يأتي لعدم معالجة الاختلالات التي تعاني منها الموازنة العامة، والاعتماد الكلي على النفط، إضافة للخلاف المستمر بين الحكومة ومجلس الأمة حول العديد من المواضيع الأساسية، وعدم الأخذ بالدراسات المتنوعة التي قُدمت في الفترة الماضية من قبل العديد من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني حول سبل خروج الكويت من أزمتها الاقتصادية التي تنعكس سلباً على مختلف القطاعات.
وأكد السلمي أن مالية الكويت صلبة وحصيفة إلا أن المشكلة الحقيقية التي تؤدي إلى خفض التصنيف والنظرة المستقبلية السلبية من قبل الوكالات العالمية، تكمن في عدم حل أزمة الدين العام والسيولة، وغياب رؤية مستقبلية قائمة على تنويع مصادر الدخل، بما يحمي الدولة من التقلب المستمر في أسعار برميل النفط على المستوى العالمي.
الملا: الأسباب... متكررة
أفاد نائب ئيس الجمعية الاقتصادية أحمد الملا بأن ما نشهده من خفض لتصنيف الكويت أمر تكرر بسبب العجوزات المالية المتتالية والسحب الدائم من الاحتياطي العام، ما أثر على سيولته بشكل كبير، لافتاً إلى أن ما تشهد البلاد حالياً سبق أن حدث قبل 7 أعوام تقريباً.
وأوضح أن الأسباب متكررة باستثناء أن أسعار النفط جيدة، ولكنها لم تصل لمستوى التعادل بحسب الموازنات السابقة، مؤكداً أن هناك مجموعة من الحلول يجب ألا تخلو من ترشيد الإنفاق الحكومي وتحصيل الأرباح المحتجزة لدى المؤسسات التابعة للدولة بما في ذلك مؤسسة البترول، وإقرار قانون الدين العام وفقاً لشروط وضوابط تشمل تحديد أوجه الصرف، سواءً كانت رواتب أو مصاريف رأسمالية وغيرها، ووضع طرق السداد والتعامل معه.
وأضاف الملا أن الحكومة القادرة على إقرار أكبر ميزانية بتاريخ الكويت ستكون قادرة كذلك على إقرار قانون الدين العام، منوهاً إلى أن استمرارها في تأخير وضع الحلول يمثل توجهاً سريعاً للانهيار الاقتصادي ومواجهة المزيد من الخفض بالتصنيف.
bonus veren siteler
bonus veren siteler
bonus veren siteler