مع دخول جائحة كورونا عامها الثاني في الكويت لايزال الاقتصاد الكويتي يعاني جملة من التحديات، منها ما هو قائم منذ أمد، ومنها ما هو حديث ارتبط بجائحة فيروس كورونا وتداعياتها على الاقتصاد المحلي والعالمي ودخول العديد من الدول في مرحلة ركود اقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تراجع معدلات الطلب العالمي على النفط وهبوط حاد في أسعاره.
ونظرا لارتباط الكويت الوثيق بأسعار النفط باعتباره المزود الرئيسي للإيرادات العامة للدولة (تشكل الإيرادات النفطية قرابة 90% من الإيرادات) فإن الضربة المزدوجة التي تعرضت لها الكويت أحدثت أضرارا بالغة على أوضاع المالية العامة وعلى الشأن الاقتصادي ككل، فضلا عن أن التذبذب المربك في أسعار النفط قد أضعف القدرة على التخطيط المستدام.
ولايزال الاقتصاد الكويتي يواجه 3 تحديات واختلالات بنيوية وهيكلية في مفاصل الاقتصاد ينبغي إعادة تسليط الضوء عليها، والتي يمكن تلخيصها في التالي:
اختلالات المالية العامة
تنامي اختلالات المالية العامة في الدولة حيث يحتل بند المصروفات الجارية (التي تشمل رواتب العاملين والتحويلات والدعوم) الجزء الأكبر من الإنفاق العام، فيما تعتمد الموازنة العامة للدولة إلى حد كبير على الإيرادات النفطية التي تشكل قرابة 90% من إجمالي الإيرادات العامة ونحو 90% من إجمالي الصادرات السلعية، ويبلغ إسهام القطاع النفطي نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤكد استمرار هيمنة القطاع النفطي على مختلف مفاصل الاقتصاد الكويتي.
فبعد سنوات من البحبوحة المالية في سنوات الوفرة النفطية نجحت الكويت في تحقيق فوائض نفطية وصلت إلى 10 مليارات دينار في السنة المالية 2011/2012، ولكن بانخفاض اسعار النفط تبدل الحال وتحولت الفوائض الى عجز مالي يتزايد عاما تلو الآخر، ليبلغ حسب رصد قامت به «الأنباء» واستندت فيه إلى بيانات رسمية لبنك الكويت المركزي نحو 24.6 مليار دينار خلال السنوات المالية الممتدة من 2014/2015 إلى 2019/2020، اي نحو 5 سنوات مالية، ومع انتشار جائحة كورونا وانهيار اسعار النفط يقدر صندوق النقد الدولي أن تبلغ العجوزات التراكمية للموازنة العامة نحو 46 مليار دينار (بما يعادل نحو 138 مليار دولار) على مدار الأعوام الستة القادمة.
هيمنة الدور الحكومي
تمثل ثاني الاختلالات في هيمنة الدور الحكومي على النشاط الاقتصادي ومحدودية دور القطاع الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي، فعلى مدى العقود الماضية استمر الإنفاق العام عند مستويات عالية، ازدادت تسارعا في السنوات الأخيرة، فشهدنا قفزات لافتة في بنود المصروفات الجارية حتى بلغت حوالي 88% من جملة المصروفات الفعلية في الموازنة العامة للسنة المالية 2020/2019، فيما تصل نسبة المصروفات الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 52%، وهي بذلك الأعلى خليجيا ومن الأعلى عالميا، إذ يتراوح المعدل العالمي بين 30 و38%.
توظيف الحكومة للعمالة الوطنية
تفرض اختلالات سوق العمل الناتجة عن استقطاب الحكومة للجزء الأكبر من العمالة الوطنية تحديات للحكومة في توفير فرص العمل للأعداد المتزايدة من المواطنين، وهي نتيجة من نتائج هيمنة الدور الحكومي في الاقتصاد، حيث ينوء القطاع الحكومي وحده بعبء توظيف 81% من قوة العمل الكويتية، وليس خفيا ما يجلبه ذلك من تضخم الموازنة وتفشي البيروقراطية وضعف الأداء وانخفاض الإنتاجية وانتشار البطالة المقنعة، فيما تشير التقديرات إلى أن السنوات الخمس القادمة ستشهد دخول ما بين 90 ـ 100 ألف مواطن ومواطنة إلى سوق العمل، وبالتالي لن يتمكن القطاع الحكومي من استيعاب الجزء الأكبر من هذه الطاقات الشابة، ولذلك يتعين احتواء بند الأجور والمرتبات كجزء من جهود الإصلاح المالي على المدى المتوسط، وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص والشراكة معه ورفع تنافسيته ودعم قدرته على خلق فرص العمل، بالتوازي مع التفعيل السريع للخصخصة، ليغدو القطاع الخاص موظفا رئيسيا للعمالة الوطنية، أما القطاع الحكومي فيتعين عليه تبسيط هيكل الأجور والمرتبات والتحقق من عدالته واتساقه بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص وبما لا يتسبب في عزوف العمالة الوطنية عن العمل في القطاع الخاص.
الاقتراض العام أداة للمساهمة في تغطية العجوزات
يعد الاقتراض العام من أدوات السياسة المالية التي يمكن من خلالها المساهمة في تغطية العجوزات في الميزانية العامة بحيث تستطيع الحكومة مواصلة خطط وسياسات الإنفاق بناء على مصلحة الاقتصاد الوطني، وفي إطار تقييم الآثار النقدية والاقتصادية للاقتراض العام، كذلك يمكن للقطاع المصرفي المشاركة في تمويل عجز الميزانية من خلال الاكتتاب في أدوات الدين العام المصدرة وهو ما يوفر للبنوك فرصة الاستثمار في أدوات مالية من الأصول السائلة عالية الجودة وبالمستويات التي تساعد البنوك في رفع كفاءة إدارة أوضاع السيولة لديها.
تضافر جهود السلطتين لمواجهة التحديات
لاتزال كلفة علاج الاختلالات الاقتصادية والهيكلية تتصاعد مع مرور السنوات، وإن لم تحشد الكويت لهذه الإصلاحات الجهود وتضعها على رأس الأولويات، وما لم تتضافر جهود القطاعين العام والخاص والسلطتين التنفيذية والتشريعية، فلن نجد إلى مواجهة هذه التحديات سبيلا، وقد بات من الواضح مدى خطورة الاستمرار في بعض السياسات والبرامج دونما تصحيح يعالج جذور الاختلالات، وفق برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي حددت أسسه وإجراءاته مجموعة من الدراسات والتقارير المحلية والعالمية.