
حامد رضا العلي

هل يُراعى
حياءُ الناسِ ؟ اللهم إن استثنينا أصحابَ الخُلق الرفيع! فذاك يمتدِح قلماً جميلاً
، فيغمُرك الحياء وتستبيحك (الفشله) فتُهديه ، وذاك يرى في يدك "مسبحاً"
من حجر الكهرب فيظل شاخصاً مراقباً لتألقه ويناديك بالخطاب المعروف "خوش مسباح بجم ماخذه ، وايد دش بخاطري! " فتدفع شرّه بإهدائه له ، وتُنسَفُ كل القيم
وقواعد الخُلق بقبوله لهذا الإهداء "الطاريء" الفاقد للقصد والنيّة
! اختراق سافر لـ "سيف الحياء" في
حياتنا ، ذلك السيف القاطع الذي قيل فيه على لسان النبي الأكرم صلّ الله عليه وآله
"ما أُخِذ بسيفِ الحياءِ فهو حرام" . فهو طلبٌ مبطّن ، وإهداء أُرغِمنا عليه
، وبهذا المدخل ، أردت مدخلاً لسيفٍ جديدٍ
معاصر ، استحَلّ بيوتنا ، وسلبَ عقولنا ، رجالاً ونساء ، أطفالاً وكباراً ، سيف
"الميديا الناطقة" ، والدعاية المتحركة ، شخصيات لم تتمرّس في أصول الإعلام
وقواعده ، ولا فنون التواصل وإجادته ، لكنهم ، ولأسباب عديدة ، حصدوا إراداتنا البسيطة
، واختياراتنا وأذواقنا ، وسباتنا في ثقافاتنا ، فاخترناهم وتابعناهم ، حتى أصبح لهم
ما يريدون ، فكان لهم الأتباع بالآلاف ويزيدون
على ذلك! ، في معظم برامج التواصل الإجتماعي ، وكان لكل منهم كارزميته(ا) في جَذْبِ
مريديه(ا) ، بين الهزل والإفراط والتفريط ، ومخاطبة الأذواق ، وعرض الفنون وما إلى
ذلك ، إنهم "الفاشينيستات" و "البلوغرز" وغيرهم ممن لا أعرف ألقابهم
واصطلاحاتهم ، غير آبه بها ولا مهتم ، لكنني ، سأكون واضحا في بيانِ ما جنيناهُ من
متابعة بعضهم!
وفي بحث
بسيط لمعنى "الفاشينيستا" تفهّمت أمرا في غاية الأهمية ، وهو أنهم وفي حقيقة
تأسيس هذه المهنة ، برعوا في أن يكيّفوا اللباس البسيط والرخيص في السعر ، بشكل جميل
وجاذِب ، حتى يتسنى لذوي الدخول المحدودة ، أن يظهروا بمظهر لائق وجميل ، على الرغم
من بساطة الملبس ، إسماً وجودةً وقيمة! وهي فكرة مقبولة من حيث المبدأ ، تأسست تحديدا
في عام ٢٠٠٧ على يد (كيارا فيراجني) ، وبتتبعي لهذه المهنة ، أجد المفارقة العجيبة
، وهذا ما لاحظه حتى المتابع والمحب لهم ، مفارقة أوضحت لنا تطورا غريبا في مفهوم هذه
المهنة ، فصرنا نلحظ تنافسا لأزهى الأزياء ، وأغلاها ثمناً ، وعرضا لأبهى المجوهرات
وأرقاها في عالم التسوّق! (شنو السالفة) ؟ وصرنا نجني حصاد هذا التغيّر في رواتبنا
، وننشغل في جُلّ تواصلنامع أبنائنا عن آخر صرعاتهم ، في ميادين الملبس والمأكل ، حتى
بطوننا لم تسلم من اختياراتهم ، فسُلبنا حق الإختيار بما نُطعم به أنفُسنا ، بذريعة
فهمهم وحسِّهم المرهف ، وصار صاحب المطعم يدفع مبلغاً ، ويضع أمام من يختارها من الفاشنستات
أشهى أطباقِ المأكولات لديه ، لدقائق معدودة ، فتنهال كلمات المدح والثناء للمطعم وصاحبه
، فيزداد بشكل طردي حضور المعجبين والمعجبات ، (وحياة سعيدة) ، وهذا الأمر يجري كذلك
على المعروضات من جميع الأصناف ، في الموضة والمجوهرات والإكسسوارات و و و !
في السابق
، لم تكن للميديا هذه السطوة ، لا على اختيارنا ، ولا أذواقنا ، ولا مصادر دخلنا ،
فإمّا إعلان في جريدة ، أو في محطة تلفزيونية ، ننتظر متى ينتهي هذا الإعلان حتى نستمر
في مشاهدة الحلقة التي ننتظرها ، أما اليوم ، فالأمر مختلف ، لأن التي تشاهد الفاشينيستا
، ترى جمال لباسها وحقيبتها ، في صور متحركة حيّة ، تحرّك فيها غريزة التملّك والإستئثار
، فتبدأ بحصر ما تريد ، وتبدأ (بالحنه والرنه على الأب والأم والزوج) ، فندخل في صراع
مع سيف حادٍّ قاطع جديد ، هو سيف الفاشنستات ، سيف أثقل على عواتقنا كل سهل جميل ،
فصرنا نشتري بأذواقهم ما لا نطيق ، بل وما لا نمتلك سعره إلا بأشهر من الرواتب ، حتى
يستطيع أبنائنا مجاراة الحداثة والتطور في هذا العالم !
ما يجري
في عالم الفاشينيستا والبلوغرز امتصاص وارهاق لدخول البسطاء من الناس ممن تتأثر أنظارهم
وأحاسيسهم لما يرون ، يكاد يفوق في خطورته ، الديون المركبّة من جرّاء القروض!
نتيجة
حتمية : لا أحجر على الفاشنستات والبلوغرز كسبهم المادي ، ولكنني أقدّم رسالة (ابلاش)
لكل من ارهقته الموديلات المتتالية والتي تنهال على أبنائه دون توقف وبلا فاصلة! بـــ(الأنفولو)
وشكراً!