آخر الأخبار

حامد رضا العلي
بين سيف الحياءِ ... وسيف الفاشينيستات!
10/30/2017 2:09:25 PM

هل يُراعى حياءُ الناسِ ؟ اللهم إن استثنينا أصحابَ الخُلق الرفيع! فذاك يمتدِح قلماً جميلاً ، فيغمُرك الحياء وتستبيحك (الفشله) فتُهديه ، وذاك يرى في يدك "مسبحاً" من حجر الكهرب فيظل شاخصاً مراقباً لتألقه ويناديك بالخطاب المعروف "خوش مسباح بجم ماخذه ، وايد دش بخاطري! " فتدفع شرّه بإهدائه له ، وتُنسَفُ كل القيم وقواعد الخُلق بقبوله لهذا الإهداء "الطاريء" الفاقد للقصد والنيّة !  اختراق سافر لـ "سيف الحياء" في حياتنا ، ذلك السيف القاطع الذي قيل فيه على لسان النبي الأكرم صلّ الله عليه وآله "ما أُخِذ بسيفِ الحياءِ فهو حرام" . فهو طلبٌ مبطّن ، وإهداء أُرغِمنا عليه ،  وبهذا المدخل ، أردت مدخلاً لسيفٍ جديدٍ معاصر ، استحَلّ بيوتنا ، وسلبَ عقولنا ، رجالاً ونساء ، أطفالاً وكباراً ، سيف "الميديا الناطقة" ، والدعاية المتحركة ، شخصيات لم تتمرّس في أصول الإعلام وقواعده ، ولا فنون التواصل وإجادته ، لكنهم ، ولأسباب عديدة ، حصدوا إراداتنا البسيطة ، واختياراتنا وأذواقنا ، وسباتنا في ثقافاتنا ، فاخترناهم وتابعناهم ، حتى أصبح لهم ما يريدون ، فكان لهم الأتباع  بالآلاف ويزيدون على ذلك! ، في معظم برامج التواصل الإجتماعي ، وكان لكل منهم كارزميته(ا) في جَذْبِ مريديه(ا) ، بين الهزل والإفراط والتفريط ، ومخاطبة الأذواق ، وعرض الفنون وما إلى ذلك ، إنهم "الفاشينيستات" و "البلوغرز" وغيرهم ممن لا أعرف ألقابهم واصطلاحاتهم ، غير آبه بها ولا مهتم ، لكنني ، سأكون واضحا في بيانِ ما جنيناهُ من متابعة بعضهم!

 

وفي بحث بسيط لمعنى "الفاشينيستا" تفهّمت أمرا في غاية الأهمية ، وهو أنهم وفي حقيقة تأسيس هذه المهنة ، برعوا في أن يكيّفوا اللباس البسيط والرخيص في السعر ، بشكل جميل وجاذِب ، حتى يتسنى لذوي الدخول المحدودة ، أن يظهروا بمظهر لائق وجميل ، على الرغم من بساطة الملبس ، إسماً وجودةً وقيمة! وهي فكرة مقبولة من حيث المبدأ ، تأسست تحديدا في عام ٢٠٠٧ على يد (كيارا فيراجني) ، وبتتبعي لهذه المهنة ، أجد المفارقة العجيبة ، وهذا ما لاحظه حتى المتابع والمحب لهم ، مفارقة أوضحت لنا تطورا غريبا في مفهوم هذه المهنة ، فصرنا نلحظ تنافسا لأزهى الأزياء ، وأغلاها ثمناً ، وعرضا لأبهى المجوهرات وأرقاها في عالم التسوّق! (شنو السالفة) ؟ وصرنا نجني حصاد هذا التغيّر في رواتبنا ، وننشغل في جُلّ تواصلنامع أبنائنا عن آخر صرعاتهم ، في ميادين الملبس والمأكل ، حتى بطوننا لم تسلم من اختياراتهم ، فسُلبنا حق الإختيار بما نُطعم به أنفُسنا ، بذريعة فهمهم وحسِّهم المرهف ، وصار صاحب المطعم يدفع مبلغاً ، ويضع أمام من يختارها من الفاشنستات أشهى أطباقِ المأكولات لديه ، لدقائق معدودة ، فتنهال كلمات المدح والثناء للمطعم وصاحبه ، فيزداد بشكل طردي حضور المعجبين والمعجبات ، (وحياة سعيدة) ، وهذا الأمر يجري كذلك على المعروضات من جميع الأصناف ، في الموضة والمجوهرات والإكسسوارات و و و !

 

في السابق ، لم تكن للميديا هذه السطوة ، لا على اختيارنا ، ولا أذواقنا ، ولا مصادر دخلنا ، فإمّا إعلان في جريدة ، أو في محطة تلفزيونية ، ننتظر متى ينتهي هذا الإعلان حتى نستمر في مشاهدة الحلقة التي ننتظرها ، أما اليوم ، فالأمر مختلف ، لأن التي تشاهد الفاشينيستا ، ترى جمال لباسها وحقيبتها ، في صور متحركة حيّة ، تحرّك فيها غريزة التملّك والإستئثار ، فتبدأ بحصر ما تريد ، وتبدأ (بالحنه والرنه على الأب والأم والزوج) ، فندخل في صراع مع سيف حادٍّ قاطع جديد ، هو سيف الفاشنستات ، سيف أثقل على عواتقنا كل سهل جميل ، فصرنا نشتري بأذواقهم ما لا نطيق ، بل وما لا نمتلك سعره إلا بأشهر من الرواتب ، حتى يستطيع أبنائنا مجاراة الحداثة والتطور في هذا العالم !

 

ما يجري في عالم الفاشينيستا والبلوغرز امتصاص وارهاق لدخول البسطاء من الناس ممن تتأثر أنظارهم وأحاسيسهم لما يرون ، يكاد يفوق في خطورته ، الديون المركبّة من جرّاء القروض!

 

نتيجة حتمية : لا أحجر على الفاشنستات والبلوغرز كسبهم المادي ، ولكنني أقدّم رسالة (ابلاش) لكل من ارهقته الموديلات المتتالية والتي تنهال على أبنائه دون توقف وبلا فاصلة! بـــ(الأنفولو) وشكراً!

 


اقرأ أيضا لنفس الكاتب